الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»
ثاخت قدمه في الوحل تثوخ وتثيخ: خاضت وغابت فيه، قاله الجوهري. قال الخليل: الرجع: المطر نفسه، والرجع أيضا: نبات الربيع.وقيل: ذاتِ الرَّجْعِ. أي ذات النفع. وقد يسمى المطر أيضا أوبا، كما يسمى رجعا، قال: وقال عبد الرحمن بن زيد: الشمس والقمر والنجوم يرجعن في السماء، تطلع من ناحية وتغيب في أخرى.وقيل: ذات الملائكة، لرجوعهم إليها بأعمال العباد. وهذا قسم. {وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ} قسم آخر، أي تتصدع عن النبات والشجر والثمار والأنهار، نظيره {ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا} [عبس: 26] الآية. والصدع: بمعنى الشق، لأنه يصدع الأرض، فتنصدع به. وكأنه قال: والأرض ذات النبات، لان النبات صادع للأرض.وقال مجاهد: والأرض ذات الطرق التي تصدعها المشاة.وقيل: ذات الحرث، لأنه يصدعها.وقيل: ذات الأموات: لانصداعها عنهم للنشور. {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ} على هذا وقع القسم. أي إن القرآن يفصل بين الحق والباطل. وقد تقدم في مقدمة الكتاب ما رواه الحارث عن علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «كتاب فيه خبر ما قبلكم وحكم ما بعدكم، هو الفصل، ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله».وقيل: المراد بالقول الفصل: ما تقدم من الوعيد في هذه السورة، من قوله تعالى: {إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ}. {وَما هُوَ بِالْهَزْلِ} أي ليس القرآن بالباطل واللعب. والهزل: ضد الجد، وقد هزل يهزل. قال الكميت. {إِنَّهُمْ} أي إن أعداء الله {يَكِيدُونَ كَيْداً} أي يمكرون بمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه مكرا. {وَأَكِيدُ كَيْداً} أي أجازيهم جزاء كيدهم.وقيل: هو ما أوقع الله بهم يوم بدر من القتل والأسر.وقيل: كيد الله: استدراجهم من حيث لا يعلمون. وقد مضى هذا المعنى في أول البقرة، عند قوله تعالى: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة: 15]. مستوفي.
أي على مهل. وتفسير {رُوَيْداً}: مهلا، وتفسير: رويدك: أمهل، لان الكاف إنما تدخله إذا كان بمعنى أفعل دون غيره، وإنما حركت الدال لالتقاء الساكنين، فنصب نصب المصادر، وهو مصغر مأمور به، لأنه تصغير الترخيم من إرواد، وهو مصدر أرود يرود. وله أربعة أوجه: اسم للفعل، وصفه، وحال، ومصدر، فالاسم نحو قولك: رويد عمرا، أي أرود عمرا، بمعنى أمهله. والصفة نحو قولك: ساروا سيرا رويدا. والحال نحو قولك: سار القوم رويدا، لما اتصل بالمعرفة صار حالا لها. والمصدر نحو قولك: رويد عمرو بالإضافة، كقوله تعالى: {فَضَرْبَ الرِّقابِ} [محمد: 4]. قال جميعه الجوهري. والذي في الآية من هذه الوجوه أن يكون نعتا للمصدر، أي إمهالا رويدا. ويجوز أن يكون للحال، أي أمهلهم غير مستعجل لهم العذاب. ختمت السورة.
وقيل: نزه ربك عن السوء، وعما يقول فيه الملحدون. وذكر الطبري أن المعنى نزه اسم ربك عن أن تسمى به أحدا سواه.وقيل: نزه تسمية ربك وذكرك إياه، أن تذكره إلا وأنت خاشع معظم، ولذكره محترم. وجعلوا الاسم بمعنى التسمية، والأولى أن يكون الاسم هو المسمى. روى نافع عن ابن عمر قال: لا تقل على اسم الله، فإن اسم الله هو الأعلى.وروى أبو صالح عن ابن عباس: صل بأمر ربك الأعلى. قال: وهو أن تقول سبحان ربك الأعلى. وروي عن علي رضي الله عنه، وابن عباس وابن عمر وابن الزبير وأبي موسى وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم: أنهم كانوا إذا افتتحوا قراءة هذه السورة قالوا: سبحان ربي الأعلى، امتثالا لأمره في ابتدائها. فيختار الاقتداء بهم في قراءتهم، لا أن سبحان ربي الأعلى من القرآن، كما قاله بعض أهل الزيغ.وقيل: إنها في قراءة أبي: سبحان ربي الأعلى. وكان ابن عمر يقرؤها كذلك.وفي الحديث: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قرأها قال: {سبحان ربي الأعلى}. قال أبو بكر الأنباري: حدثني محمد بن شهريار، قال: حدثنا حسين بن الأسود، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد قال: حدثنا عيسى ابن عمر، عن أبيه، قال: قرأ علي بن أبي طالب عليه السلام في الصلاة سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، ثم قال: سبحان ربي الأعلى، فلما انقضت الصلاة قيل له: يا أمير المؤمنين، أتزيد هذا في القرآن؟ قال: ما هو؟ قالوا: سبحان ربي الأعلى. قال: لا، إنما أمرنا بشيء فقلته، وعن عقبة بن عامر الجهني قال: لما نزلت سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اجعلوها في سجودكم». وهذا كله يدل على أن الاسم هو المسمى، لأنهم لم يقولوا: سبحان اسم ربك الأعلى.وقيل: إن أول من قال: سبحان ربي الأعلى ميكائيل عليه السلام.وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لجبريل: «يا جبريل أخبرني بثواب من قال: سبحان ربي الأعلى في صلاته أو في غير صلاته؟ فقال: يا محمد، ما من مؤمن ولا مؤمنة يقولها في سجوده أو في غير سجوده، إلا كانت له في ميزانه أثقل من العرش والكرسي وجبال الدنيا، ويقول الله تعالى: صدق عبدي، أنا فوق كل شي، وليس فوقي شي، اشهدوا يا ملائكتي أني قد غفرت له، وأدخلته الجنة فإذا مات زاره ميكائيل كل يوم، فإذا كان يوم القيامة حمله على جناحه، فأوقفه بين يدي الله تعالى، فيقول: يا رب شفعني فيه، فيقول قد شفعتك فيه، فاذهب به إلى الجنة».وقال الحسن: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} أي صل لربك الأعلى.وقيل: أي صل بأسماء الله، لا كما يصلي المشركون بالمكاء والتصدية.وقيل: ارفع صوتك بذكر ربك. قال جرير:
{فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى} الغثاء: ما يقذف به السيل على جوانب الوادي من الحشيش والنبات والقماش. وكذلك الغثاء بالتشديد. والجمع: الاغثاء، قتادة: الغثاء: الشيء اليابس. ويقال للبقل والحشيش إذا تحطم ويبس: غثاء وهشيم. وكذلك للذي يكون حول الماء من القماش غثاء، كما قال: وحكى أهل اللغة: غثا الوادي وجفا. وكذلك الماء: إذا علاه من الزبد والقماش ما لا ينتفع به. والأحوى: الأسود، أي أن النبات يضرب إلى الحوة من شدة الخضرة كالأسود. والحوة: السواد، قال الأعشى: وفي الصحاح: والحوة: سمرة الشفة. يقال: رجل أحوى، وامرأة حواء، وقد حويت. وبعير أحوى إذا خالط خضرته سواد وصفرة. وتصغير أحوى أحيو، في لغة من قال أسيود. ثم قيل: يجوز أن يكون أَحْوى حالا من الْمَرْعى، ويكون المعنى: كأنه من خضرته يضرب إلى السواد، والتقدير: أخرج المرعى أحوى، فجعله غثاء يقال: قد حوي النبت، حكاه الكسائي، وقال: ويجوز أن يكون أَحْوى صفة ل غُثاءً. والمعنى: أنه صار كذلك بعد خضرته.وقال أبو عبيدة: فجعله أسود من احتراقه وقدمه، والرطب إذا يبس أسود.وقال عبد الرحمن زيد: أخرج المرعى أخضر، ثم لما يبس أسود من احتراقه، فصار غثاء تذهب به الرياح والسيول. وهو مثل ضربه الله تعالى للكفار، لذهاب الدنيا بعد نضارتها.
|